الوحدة ليست مادة للمزايدة والمماحكات السياسية؛ بل مصير وطن وقدر شعب، وطن يغرس الأوغاد في الداخل والخارج خناجرهم المسمومة في كل جزء منه، ويسعون لتمزيقه وتفتيته وتقسيمه "على ما يشتهي الوزّان"؛ وشعب في الشمال والجنوب على حدٍّ سواء، تُمارس ضده كل صنوف التعذيب والتجويع والتركيع والتجهيل، وإغراقه في الفقر والجهل والمرض، حتى أصبح يعاني من أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وسرقة ثرواته- الكفيلة بجعله الأغنى عالميًا- وحرمانه من أبسط حقوقه..
الوحدة ليست صالح ولا البيض ولا توكل كرمان ولا عيدروس الزبيدي ولا العليمي ولا عبدالملك الحو..ثي ولا أتباعهم، ليست ما تريده السعودية ولا الإمارات ولا قطر ولا إيران ولا مرتزقتهم.. ليست كل هؤلاء الذين يلوكون كلمة الوحدة بأفواههم ويعملون على تمزيق الوطن بأكمله وتشطيره ونهب ثرواته.. وفي المقابل تشطير الشعب وإدخاله في صراعات وخصومات لا ناقة له فيها ولا جمل، بعد تزييف وعيه وشحنه بطاقة من الكراهية والحقد، وتحويله إلى مجرد أدة للتخريب ووخدمة مصالح السفلة وتنفيذ مخططاتهم.
الوحدة التي كان ينشدها الشعب، شمالًا وجنوبًا، قديمًا، ويحلم بها ويقسم بها الطلاب في طابور الصباح؛ فيما يحاربها ويعيق تحقيقها أدوات الخارج في الشمال والجنوب، وهم أنفسهم من يتحدثون عنها اليوم سلبًا وإيجابًا، ويذبحون الوطن والشعب من الوريد إلى الوريد، باسم الوطن والشعب والمصلحة العامة، وكل ذلك منهم براء، فهمهم الوحيد مصالحهم وأطماعهم.
الشعب قبل تحقيق الوحدة في غفلة أعدائها وأعداء البلد، في الثاني وعشرين من مايو 1990، وبعد تحقيقها، متحد في ظروفه ومعاناته من لصوص الأوطان والثروات ويتعرض معًا للمؤامرات ذاتها، ويُستهدف جميعه بلا استثناء، ليس للشمال يدٌ فيما جرى ويجري في الجنوب، وليس للجنوب يدٌ فيما يعتمل في الشمال.. وعلى الشعب جميعه اليوم أن يستمع إلى صوت قلبه ويفكر بعمق ويصم أذنيه عن الخطابات والإعلام المؤدلج الموجه، ويكفر بكل الجماعات والأحزاب والكيانات السياسية والسيادينية، والدول، التي تزعم كذبًا وزورًا أنها تعمل لصالح البلد، ويصرخ في وجوههم جميعًا: أنا الشعب زلزلة عاتية ستخمد نيرانكم غضبتي.. ويستعيد مصيره وثرواته وحقه في كل ذرة تراب في وطنه.